قبيل انطلاق فعاليات اليوم العالمي للثلاسيميا الموافق 8 مايو، أصبح المقر الرئيسي لمستشفى كليفلاند كلينك، نظام الرعاية الصحية العالمي، أحد المراكز العالمية القليلة الحاصلة على ترخيص تقديم ثلاثة علاجات وراثية لمعالجة المصابين بفقر الدم المنجلي والثلاسيميا بيتا، الأمر الذي سيسهم في تحسين جودة حياة المرضى وحصولهم على علاج وظيفي في أغلب الحالات.
ويعد فقر الدم المنجلي والثلاسيميا بيتا من الأمراض الوراثية الناتجة عن الاضطرابات في الهيموجلوبين الذي يعتبر البروتين أحمر اللون المسؤول عن نقل الأكسجين في الدم. وفي حالة فقر الدم المنجلي، تؤدي طفرة جينية إلى تكتل الهيموجلوبين غير الطبيعي مع بعضه البعض ما يجعل خلايا الدم الحمراء منجلية الشكل، في حين يؤثر مرض الثلاسيميا بيتا على قدرة الجسم على إنتاج الهيموجلوبين. وتعتبر الهند ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين الدول ذات أعلى مستويات الإصابة بهذين المرضين.
وقال الدكتور ربيع حنا، أخصائي أمراض الدم والأورام، ومدير برنامج زراعة الدم ونخاع العظام في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال: “تتسم هذه السبل العلاجية الجديدة بقابلية تحمل المرضى لها بشكل جيد، وقدرتها على إحداث تحول ملموس في حياتهم، كما أنها تمكّن الأفراد من التحرر من الآثار المنهكة في كثير من الأحيان لهذه الأمراض وطرق علاجها التقليدية مثل عمليات نقل الدم المتكررة التي قد تنطوي على مخاطر زيادة الحديد، وتلف الأعضاء”.
ويرتبط كل من فقر الدم المنجلي والثلاسيميا بمضاعفات تمتد طوال الحياة، وتتسبب بإحداث ضرر في أعضاء متعددة بالجسم، إلى جانب إمكانية الإصابة بأمراض مصاحبة تؤثر على جودة حياة المرضى، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى قصر أعمارهم. وكان العلاج الوحيد المتوافر إلى الآن هو نقل الدم أو زرع النخاع، لكن العثور على متبرع مناسب كان صعباً في الكثير من الأحيان، كما أن هذا العلاج يترافق بعدة تعقيدات بسبب إمكانية الإصابة بداء تفاعل الطُّعم حيال الثوي (GVHD) الناتج عن التفاعل المناعي بين المتبرع والمتلقي (المريض). وبالمقابل، فإن العلاجات الجديدة تعمل عبر استخراج الخلايا الجذعية المنتجة للدم من المريض نفسه، ثم تعديل أو إضافة مورثات منتجة لخلايا دم حمراء طبيعية من الناحية الوظيفية، وإعادة زرع هذه الخلايا الجذعية المنتجة للدم في المريض، ما يلغي بالتالي الحاجة إلى إيجاد متبرع مطابق، أو استخدام أدوية لتثبيط المناعة، ما يقلل بالتالي من خطر رفض الجسم للطعم المزروع وتجنب مضاعفات داء تفاعل الطُّعم حيال الثوي (GVHD).
وسيقوم مستشفى كليفلاند كلينك بمعالجة الأطفال والراشدين باستخدام واحدة من ثلاث طرق علاجية يتم خلالها إضافة أو استبدال المورثات المصابة في الخلايا الجذعية. وتقوم أحدث الطرق العلاجية، exagamglogene autotemcel [Casgevy]، بمعالجة فقر الدم المنجلي والثلاسيميا بيتا في الأطفال من عمر 12 عاماً فما فوق والراشدين. وحصلت هذه الطريقة العلاجية في يناير من العام الجاري على الموافقة لاستخدامها في علاج مرض فقر الدم المنجلي، كما حصلت في ديسمبر 2023 على الموافقة لاستخدامها في علاج الثلاسيميا بيتا المعتمدة على نقل الدم، وهي تعتبر أول دواء يحصل على الموافقة لاستخدامه في الولايات المتحدة ويستعمل أداة التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد (CRISPR) للتعديل الوراثي والتي حصل مخترعوها على جائزة نوبل للكيمياء في عام 2020.
أما الأسلوبين العلاجيين الآخرين فهما: lovotibeglogene autotemcel [Lyfgenia]، الذي حصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في ديسمبر من العام الماضي، ويتم استخدامه لعلاج المرضى المصابين بفقر الدم المنجلي ممن يبلغون 12 عاماً من العمر فما فوق؛ وbetibeglogene autotemcel [Zynteglo]، الذي حصل على الموافقة في عام 2022 لعلاج الأطفال والراشدين المصابين بالثلاسيميا بيتا المعتمدة على نقل الدم.
وأضاف الدكتور حنا: “لقد أظهرت التجارب السريرية نجاحاً ملموساً لهذا العلاج الذي يُقدَّم إلى المرضى لمرة واحدة في حياتهم، مع معدلات شفاء وظيفي تزيد عن 90% بكثير وتتمثل إما بعدم الحاجة إلى نقل دم في مرضى الثلاسيميا أو البقاء دون ألم في مرضى فقر الدم المنجلي. ولكن يجب على المرضى المحتملين إدراك حقيقة أن هذه الرحلة العلاجية مؤلفة من عدة مراحل، ولذلك فإن المراكز التي لديها الخبرة الشاملة والمتخصصة لتقديم العلاج اللازم قليلة. وإننا نعمل مع بعض المستشفيات في مناطق أخرى وذلك حتى يتمكن المرضى الدوليون من الخضوع للمراحل الأولية من العلاج في دولهم وذلك قبل إتمام العلاج في منشآتنا”.
وتمتد المرحلة التحضيرية الأولية لشهرين أو ثلاثة أشهر، وتركز على تهيئة الجسم لأخذ الخلايا الجذعية وذلك من خلال التقليل من أي التهابات في نخاع عظم المرضى. ويمكن إعطاء بعض الأدوية أو إيقاف بعضها، كما قد يحصل المرضى على عمليات نقل دم إضافية. بعد ذلك، يقوم المرضى بزيارة منشآتنا لجولة أو جولتين من أجل أخذ الخلايا الجذعية منهم، حيث يجري إرسال الخلايا الجذعية المأخوذة إلى شركة خارجية للقيام بالتعديل الوراثي. وفي هذه المرحلة تتم إضافة المورثة القادرة على إنتاج هيموجلوبين طبيعي أو استبدالها بالمورثة المعيبة في الخلايا الجذعية المأخوذة من المريض. وتخضع الخلايا المعدلة بعد ذلك إلى اختبار ضمان الجودة الذي يمتد لشهرين إضافيين. وبحلول نهاية تلك الفترة، يخضع المرضى للعلاج الكيميائي على مدى بضعة أيام لتدمير ما تبقى من نخاع العظم وإفساح المجال لنمو الخلايا التي تم إصلاحها والتي سيتم زرعها مرة أخرى في الجسم.
أما في المرحلة الأخيرة التي تشتمل على البقاء في المستشفى لفترة تتراوح ما بين أربعة إلى ستة أسابيع، سيتم زرع الخلايا وسيخضع المريض إلى المراقبة الدقيقة تحسباً لأي آثار جانبية. وأوضح الدكتور حنا: “إننا نستخدم في العلاج الكيميائي عقاراً واحداً هو ’بوسولفان‘ وذلك للتخلص من نخاع العظام القديم وتوفير المساحة اللازمة للخلايا الجذعية الجديدة المعدلة. تعتبر هذه الطريقة في الأساس عملية زرع ذاتي، أي أنها تستخدم خلايا المريض نفسه، لذلك لا يحتاج المرضى إلى تناول أدوية لتثبيط أجهزتهم المناعية، كما أنها لا تنطوي على مخاطر الإصابة بداء تفاعل الطُّعم حيال الثوي (GVHD) والذي تقوم خلايا نقي العظام أو الخلايا الجذعية للمتبرع فيه بمهاجمة جسم المتلقي”.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 5% من سكان العالم يحملون مورثات اضطرابات الهيموجلوبين وخاصة مرض الخلايا المنجلية والثلاسيميا، على الرغم من أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة إصابتهم بالمرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقديرات تشير أيضاً إلى أن نحو 300 ألف طفل يولدون سنوياً مع اضطرابات هيموجلوبين شديدة.
ويساعد قسم خدمات المرضى الدوليين المرضى من الدول الأخرى على حجر المواعيد وفي إجراءات السفر وذلك من أجل حصولهم على العلاجات الجديدة والمبتكرة. ويقدم القسم العون إلى المرضى في جملة أمور منها تجاوز الحواجز اللغوية والمساعدة في المتطلبات الثقافية.